الرسائل المجهولة زناد قضايا الفساد في الجزائر
الاثنين, ديسمبر 20, 2010 // 0 التعليقات // خالد بشار // القسم: تحقيقات //ارتبطت كبرى ملفات الفساد في الجزائر بمسألة الرسائل المجهولة التي كانت "الشرارة " الأولية لفتح التحقيق في التجاوزات و الخروقات القانونية الحاصلة في كبرى المؤسسات الاقتصادية و الادارية في الدولة ، و لم تجد السلطات القضائية والادارية حرجا كبيرا في الاعتماد عليها من أجل التحري وتشكيل لجان تحقيق ، سرعان ما تحولت تقاريرها الى ملفات قضائية تحمل بين طياتها تُهما ثقيلة انطلاقا من تبديد واختلاس المال العام و ابرام صفقات مشبوهة و استغلال النفوذ، و الغريب أن يحدث هذا في الجزائر فقط على عكس الدول الاخرى التي لا تعترف بهذه الرسائل من منطلق أنها مجهولة المصدر و النية .
اختلف المراقبون في سر "الرسائل المجهولة " بين من يراها علامة صحية فرضتها الحالة العامة للبلاد و بين من يعتبرها لغزا كبيرا تعددت تفسيراته ، و اشترك هؤلاء في كونها العامل المشترك بين قضايا الفساد التي تفجرت في الأونة الأخيرة و المصنفة من طرف السلطة على أنها نتاج الارادة الحقيقية في مكافحة الفساد ، غير أن السؤال الجوهري المطروح لماذا يتم الاعتماد على رسائل مجهولة في وقت تتجاهل السلطات الاف الشكاوي الممضية من طرف أصحابها أو تتباطأ في فتح التحقيق فيها ؟ و لماذا لا تحرك الجهات المختصة تحقيقات قضائية بناءا على تحقيقات صحفية تكشف تجاوزات قانونية و ادارية في عدة قطاعات و هيئات في وقت تتابع الصحفي وتطالبه بالبينة والدليل رغم أن العمل الاعلامي مهمته الكشف عن مواطن الفساد .؟
العلامة الصحية واللغز المحير ؟
يستند من يرى في قضية الرسائل المجهولة "علامة صحية" على مسألة حماية الأشخاص في حالة الكشف عن هويتهم ،خاصة، عندما نعلم ان الغالبية هم موظفون أو أشخاص تحصلوا على معلومات بحكم الصدفة عند أداء اعمالهم ، و لهذا السبب يفضل هؤلاء كشف التجاوزات بهذه الطريقة لعلمهم انهم في مواجهة أشخاص ذوو نفوذ ، إضافة، الى عدم ثقتهم في الجهات العليا الموجه لها الرسائل و مجموع الخروقات سواء كانت ادارية أو قضائية ، و يستند هؤلاء في ان غالبية القضايا التي الكشف عنها تضم اسماء كبيرة تشغل مناصب حساسة في مؤسسات و هيئات كبرى من بينها على سبيل المثال قضية سوناطراك أو قضايا الفساد التي كشفت عن تجاوزات و اختلاسات في مؤسسات عمومية اقتصادية في ولايات الغرب و الوسط .
لكن المشككين في شرعية الرسائل المجهولة ينطلقون من أسئلة مهمة بدايتها زمن بدء التحقيق في القضايا و سر اختيار التوقيت لتفجيرها ، كما يلاحظ هؤلاء مسالة السهولة في تسريب معلومات لوسائل الاعلام قرينة خطيرة كونها تساير ايديولوجيات معينة ، و سهولة توفر المعلومة في مثل القضايا و في ظرف زمني قياسي يعكس ان هناك تسريب متعمد وبالروايات التي يريدها بعض الأطراف ، مما يفسر حسبهم احتمال وجود توجيه لهذه القضايا في الوقت المناسب و في الظرف المراد تفجيره ،و يعتقد المشككون في شرعية الرسائل المجهولة أن وراءها جماعات معينة تبحث عن حماية مصالحها عن طريق تفجير قضايا مخطط لها مسبقا للقضاء على أشخاص عرقلوا هذه المصالح وتوريطهم و محاصرتهم بقضايا يتم الترويج لها اعلاميا بسرعة البرق .
وبالرجوع الى الوراء في قضايا فساد "محلية" حضرنا وقائعها فإن الرسائل المجهولة كانت عادة وسيلة تستعملها مافيا الفساد من أجل القضاء أو الانتقام من أشخاص لم يسايروا مصالح لوبيات الفساد ، حيث تعرض أشخاص كشفوا معلومات للصحافة أو للسلطات مركزية لمضايقات سببها رسائل مجهولة كانت وراء فتح تحقيقات قضائية و ادت الى حبسهم أو تبرئتهم بعد رحلة شقاء في أسوار المحاكم و مقرات الامن ، و في هذا الشان أكد لنا أشخاص كانوا ضحية للرسائل المجهولة انهم كانوا وراء الكشف عن تجاوزات في الادارة التي يشتغلون فيها او شهودا في قضايا ضد رؤسائهم ، ويتابع هؤلاء ، ان الرسائل المجهولة وجهت لهم " تهما " فاقت التصور من بينها الترويج للمخدرات و الفساد الاخلاقي ، واستغرب هؤلاء مسايرة جهات التحقيق لما يرد في هذه الرسائل دون التحري واتخاذ اجراءات قانونية عادة ما تسيء الى سمعتهم دون رد الاعتبار بعد التأكد من براءتهم ، وأضاف نفس الاشخاص انهم وجهوا طلبات الى جهات قضائية من أجل الكشف عن مصدر الرسائل دون أي نتيجة تذكر .
و التشكيك في عملية فتح التحقيقات عن طريق الرسائل المجهولة تفرضه حالة البلاد التي تميزت في السنوات الأخيرة بــ"ضجة كبيرة" بعنوان مكافحة الفساد تروج لها السلطة بترسانة قوانين و هيئات تنوعت أسماءها وتداخلت صلاحياتها ،حيث تم تفجير قضايا بدأت في العادة بضجة كبيرة أُتهمت فيها أسماء اكبر لكن مع مرور الوقت خضعت لعملية "اضمحلال " في الاسماء و التهم الموجهة بعد البدء في التحقيق القضائي ووصولا الى المحاكمة ، و هذا ما يعني حسب مراقبين و مقربين لبعض الملفات التي انفجرت أن "المندبة كيرة و الميت فأر" و ان مايقال و ينشر يخالف في العادة الملف القضائي و ما يدور في المحاكمة ، ويتابع محدثونا أن السيناريو التي تشارك فيه وسائل الاعلام في بعض الاحيان دون غربلتها الهدف منه اخضاع أشخاص لضغوطات معينة أو ايصال رسائل لاشخاص مفادها ان هذه الجهات القوية يمكن لها فعل أي شيء لحماية مصالحها .
أصحاب ذات الرأي يرون أن رمي الكرة في يد العدالة في حد ذاته "لغز آخر" حيث أن القضايا التي يتم تداولها اعلاميا و تسريب معلومات بشأنها تخدم مصالح معينة في وقت يجد القاضي الملف الذي أمامه فارغ المحتوى و لا يمكن له أن يدين اشخاصا بأدلة تكاد منعدمة ، الأمر الذي يجعل الكل دون علم يتأثر بماورد في الاعلام و يتهم العدالة بكونها تصدر أحكاما مخففة ، وفي هذا الشان شهدت محاكمات لكبريات القضايا مفاجات يفجرها متهمين تعجز العدالة عن فتح تحقيقات فيها كونها مرتبطة بخلفيات تجد العدالة نفسها مقيدة للخوض فيها انطلاقا من قاعدة " الالتزام بملف القضية " من جانب ، و عدم تعدي صلاحيات هي في الأصل في يد النيابة العامة التي تغض الطرف أحيانا عن فتح تحقيقات في تصريحات كشفها متهمين في الجلسات ويرجع هذا حسب قانونيين الى السلطة التقديرية للنيابة العامة التي تبقى حرة في تحريك التحقيق ، و في ذات السياق شهدت محاكمة بن عاشور عبد الرحمن الكثير من هذه الأشياء خاصة المتعلقة بسبب هجرته الى المغرب حين قال "تعرضت لرسائل مجهولة فققرت الهروب حتى لا أتهم بتجارة السلاح ؟" لكن لا أحد أخذ التصريح محمل الجد .
و بالعودة الى قضية سوناطراك فإن ما تداولته بعض وسائل الاعلام عن وجود تعليمة أصدرها الوزير شهر أوت 2006 تنص على حماية كل موظف أبلغ عن وجود تجاوزات و خروقات يؤكد علم الوزير أن قضية الرسائل المجهولة قديمة و التعليمة رغم تفسيرها على أنها حماية لأشخاص فإنها تؤكد ان الوزير و السلطة تدرك تمام سر الرسائل المجهولة لذلك تعمدت دحض كل مبررات الاختفاء وراءها ، كونها وسيلة انتقام وطريقة في العادة من اختصاص أشخاص هدفهم الاساءة وليس الغيرة على المال العام .
نشير في الأخير أن وزير العدل هو نفسه قبل السنوات الذي صرح أنه يريد صحافة قوية تساهم في مكافحة الفساد و هو نفسه الذي يشغل جهازا يعطي للرسائل المجهولة قيمة قانونية و مركزا معلوماتيا في وقت تتجاهل السلطات مئات التحقيقات الصحفية التي تكشف عن فساد اقتصاد واداري دون أن تتحرك جهة ، وان تحركت فإنها تسير في اتجاه اتهام الصحفي دون عناء التأكد مما تم نشره .فهل الحكاية منطقية و قانونية ؟ وهل هو زمن "إذا اردت ان تحمي مصالح جماعات النفود وتبعدها عن الحساب فخطط لفتنة برسالة مجهولة" بعدما عايشنا في السنوات السابقة حكمة "اذا اردت ان تميت قضية فأسس لها لجنة ".
خالد بشار وليد
منشور يجريدة الخبر الاسبوعي
نجاة للصحافة : بطاقة هوية
خالد بشار وليد صحفي مختص في التحقيقات شؤون العدالة تاريخ ومكان الازدياد : 17/05/1978 بالجلفة الشهادات الأكاديمية/ ليسانس في العلوم القانونية والإدارية من جامعة البليدة سنة 2000 شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة من جامعة البليدة سنة 2001 /الإجازات الأكاديمية مذكرة تخرج بعنوان الإعلام كسلطة رابعة * دراسة تحليلية لواقع و أفاق الإعلام في الجزائر * بدرجة ممتاز مع تقدير اللجنة الخبرات السابقة / سنة 1998* مراسل من جامعة البليدة لجريدة الواحة الجزائرية سنة 2002* صحفي محرر بجريدة الواحة الجزائرية المكتوبة و الالكترونية 2003* صحفي مكلف بالتحقيقات والقسم القانوني بجريدة الواحة الجزائرية. * 2008*صحفي بأسبوعية الديار الجزائرية مكلف بالتحقيقات و عمود أوراق محقق صحفي بأسبوعية الخبر حوادث *ملحق الخبر الأسبوعي* صفحة توتير قيد الاعداد تابع جديد المدونة صفحة الفيس بوك قيد الاعداد نسعد بتلقي مراسلاتكم لا تترددوا بمراسلتنااقرأ المزيد من المواضيع في هذا القسم
0 التعليقات على هذا الموضوع
علق على الموضوع
الحزن القاتل في الشرق
مرت سنة كاملة بأشهرها ، أياما ،و ساعاتها على وفاة الشيخ الامام الجابري بولاية تبسة ، ولا أعرف هل اقول "وفاة " أم اغتيالا أم "قتل مع سبق الاهمال و اللامبالاة"،سوى ان الحقيقة الثابتة أنه رحل عن أولاده وزوجته و ترك لهم تركة كبيرة ، ليست مالا و لا عقارات بل "أحزان ".... وحقيقة مرة لا تغدو سوى ان تكون "وصية" كتبت بخط الروح المتعذبة بالمآسي عنوانها " ابحثوا عن وطن " ،أنها تركة ووصية لا يفهمها الغاوون و لا المتملقون بل يفهمها أصحاب الضمائر الحية الذين اكتتووا بفساد هذا البلد و هم لا يستطيعون العيش بالفساد و مال الحرام و دون ضمير ولا أخلاق و لا يحتملون التملق من أجل كسب حقوقهم.
.تتمة الموضوع