رسالة إلى جدتي
الجمعة, سبتمبر 16, 2011 // 2 التعليقات // خالد بشار // القسم: هموم شخصية //مرت 11 سنة على وفاة جدتي ،تلك العجوز التي تحملت كل متاعب الحياة و عاشت كل أنواع التعب و سايرت كل رؤساء هذا البلد ، مرت 11 سنة منذ أن رُفع الستار على حياة إمرأة أنجبت لهذا البلد و قدمت ثلاثة رجال كلهم في قطاع التعليم منهم المدير والأستاذ و هي الأمية الفقيرة، ....تكفلت بتربيتهم و جلب القوت لهم ليصبحوا من مربيي الأجيال... جدتي كانت ترعانا و تجمع كل أبناء خالاتي ، تُراقب نتائجنا في كافة الأطوار المدرسية و تسألنا عن كشف نقاطنا لتقول عبارتها الشهيرة في تقييمنا باللهجة النايلية " هذاك الطفل الورقة انتاعوا معمرة " و هذاك الورقة انتاعو فارغة " ..كانت تعتقد جدتي بعبارتها أن كثرة الكتابة في كشف النقاط تعني التفوق والارتقاء إلى القسم الأعلى ، أما الفارغة فتعني قلة اللون الأزرق في كشف النقاط ، لكن المضحك و المثير أننا كنا نفهمها بمجرد أن تقولها ... مواقف جدتي ببراءتها و عفويتها و طلاقة لسانها كانت لحظات سعيدة بالنسبة لنا، لأننا كنا نجد الفرجة بالجلوس معها رغم قسوة انتقاداتها المؤثرة فينا لكنها تبعث برسالة الأمان أحيانا في نظراتها و حركاتها ..و يا ويلته من يأتي كشف نقاطه فارغا لأنه سيصبح حديث كل ضيف لها بمجرد أن تفتح له الباب لتبشره عن نتائج أبناء بناتها واحدا تلو الآخر.
جدتي و صديقاتها حكاية أخرى حين يُناقشن "السياسة وأحوالها " بأمثالهن المأخوذة من اثر التاريخ وأقوال الأولياء عن الرؤساء والإصلاح... وقصص الشاذلي وحليمة ،و زروال و خطاباته، و بومدين وفحولته ... في جلساتهن لا يخلو الحديث عن السياسة و الطمأنينة التي عاشتها البلاد طيلة الفترات بعد استعمار دامي ...و جدتي طبعا عاشت فترة الإرهاب الأعمى و عشرية الدم لتنبئنا انه " نشد " كما نقول في العامية أو أقوال الشيوخ وتوقعاتهم ، لكن ما تذكرته من كل هذا شكرها لبوتفليقة و ذكرها لــ"نشد" أن الرئيس السابع للبلد هو صاحب الحل السحري ... بعد عامين تقريبا من انتخاب بوتفليقة ماتت جدتي بعدما رأت بعضا من نور الأمن الذي عم البلد تلك الفترة و ودعت الحياة بعدما عاشت الاستعمار و رأت السبع رؤساء ،فرحمة الله على جدتي التي تركت لنا الكثير لنتذكرها.
تذكرت مواقف جدتي وكلماتها في لحظة عابرة و أنا جالس أتابع أخبار العالم والثورات و اقرأ جريدة بعد 11 سنة من وفاتها ، لتمر كلماتها على مسامعي ، تذكرتُ حين فارقتنا كنا نفتح صفحة جديدة عنوانها الوئام والأمن و المصالحة و نطوي صفحات السنين الحمراء بدم الأبرياء و كأنها تُبشرنا : لقد تركت لكم الأمان ، و كأن تلك المرأة الأمية التي ربت و تعبت و عاشت كل فترات هذا البلد تقول " ألم اقل لكم أن الحل في الرئيس السابع للبلاد "....ودعتنا و تركت لنا السؤال المحير : من أين لكي يا جدتي كل هذا الزاد و أي مدرسة علمتك الحكمة و الصبر و المعرفة فمدرسة بن بوزيد صارت تُعلمنا كيف نمقت هذا البلد ؟ و كيف نندم و كيف ينتحر الأبناء و يدخل اليأس قلوبهم ؟ صارت ترمي لنا بمجرمين يفضلون صعود الجبال على خدمة هذا البلد ، والحرقة والموت في قاع البحار بدل الصبر الذي صبرتيه رغم كل المعاناة؟
ألم اقل لكي يا جدتي ؟.. رئيسنا الذي بشرتنا به هو في عهدته الثالثة و منذ فارقتي الحياة لا يزال رئيسنا، لكن يا جدتي ما لا تعرفينه أيضا و لم تفسريه لنا من حكمتك ، أن الإرهاب بدأ يعود و أصبحنا نسمع بالقتل مجددا و بصعود شباب إلى الجبال ؟ على مشارف نهاية عهدات الرئيس نخاف أن نعود إلى النقطة الصفر مثلما تركتينا ... فكيف تفسرين هذا ؟ يا جدتي أنت لم تحكي لي عن الرئيس الثامن و لم تروي لنا عن أوضاع البلاد عند نهاية الرئيس السابع، أما صديقاتك فطلقن تجمعات السياسة التي لم تكن تحلو إلا بكي و لم يعد يتحدثن مثل سابق العهد ....فهل من إجابة يا جدتي و ماذا يعني أن يعود الإرهاب مجددا ؟
جدتي رسالتي لم تنته رجاء ؟ فانا لم اقل لكي كيف حال البلاد بعد ، فالأرقام المصدرة عن ملايير الدولارات ، والرئيس السابع فعلا كان بشارة خير لأن البترول شهد ارتفاعا كبيرا في أسعاره العالمية .. جدتي :الرئيس وزع الملايير و أقرض الجميع ...طبعا من البنوك " أو السلفية " كما تقولين ، و أنا لم استفد منها لأنها و الله ربوية و أنت تعرفين أن السلفية حرام ؟ لكن يا جدتي ماذا تقولين عن كشف نقاط الرئيس وانجازاته فأنا اعرف انك تسمعين ، هل هي " معمرة " أم فارغة " ؟
طبعا جدتي لا تجيب لكن اعرفها لأنني عايشتها و متأكد أن جدتي بإشارة أصبعها على خدها ستقول " يا ويلي ذاك الرئيس الورقة نتاعو فارغة " ...فالإرهاب يبدو عاد و الانجازات والكلام و الملايير كثيرة و الواقع يقول أن هناك من يموت جوعا ..وجدتي تكره أن تسمع بأن هناك من يبيت بدون عشاء ....رحمة الله عليك جدتي .
خالد بشار وليد
نجاة للصحافة : بطاقة هوية
خالد بشار وليد صحفي مختص في التحقيقات شؤون العدالة تاريخ ومكان الازدياد : 17/05/1978 بالجلفة الشهادات الأكاديمية/ ليسانس في العلوم القانونية والإدارية من جامعة البليدة سنة 2000 شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة من جامعة البليدة سنة 2001 /الإجازات الأكاديمية مذكرة تخرج بعنوان الإعلام كسلطة رابعة * دراسة تحليلية لواقع و أفاق الإعلام في الجزائر * بدرجة ممتاز مع تقدير اللجنة الخبرات السابقة / سنة 1998* مراسل من جامعة البليدة لجريدة الواحة الجزائرية سنة 2002* صحفي محرر بجريدة الواحة الجزائرية المكتوبة و الالكترونية 2003* صحفي مكلف بالتحقيقات والقسم القانوني بجريدة الواحة الجزائرية. * 2008*صحفي بأسبوعية الديار الجزائرية مكلف بالتحقيقات و عمود أوراق محقق صحفي بأسبوعية الخبر حوادث *ملحق الخبر الأسبوعي* صفحة توتير قيد الاعداد تابع جديد المدونة صفحة الفيس بوك قيد الاعداد نسعد بتلقي مراسلاتكم لا تترددوا بمراسلتنااقرأ المزيد من المواضيع في هذا القسم
2 التعليقات على هذا الموضوع
علق على الموضوع
الحزن القاتل في الشرق
مرت سنة كاملة بأشهرها ، أياما ،و ساعاتها على وفاة الشيخ الامام الجابري بولاية تبسة ، ولا أعرف هل اقول "وفاة " أم اغتيالا أم "قتل مع سبق الاهمال و اللامبالاة"،سوى ان الحقيقة الثابتة أنه رحل عن أولاده وزوجته و ترك لهم تركة كبيرة ، ليست مالا و لا عقارات بل "أحزان ".... وحقيقة مرة لا تغدو سوى ان تكون "وصية" كتبت بخط الروح المتعذبة بالمآسي عنوانها " ابحثوا عن وطن " ،أنها تركة ووصية لا يفهمها الغاوون و لا المتملقون بل يفهمها أصحاب الضمائر الحية الذين اكتتووا بفساد هذا البلد و هم لا يستطيعون العيش بالفساد و مال الحرام و دون ضمير ولا أخلاق و لا يحتملون التملق من أجل كسب حقوقهم.
.تتمة الموضوع
أبو علي
22 سبتمبر 2011 في 12:22 م
رحم الله جدتك وجميع أموات المسلمين
موضوع أكثر من رائعة وأنا مثلكم أنا انتظر ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة ولأنظنها عشرية كالحة قادمة كفانا الله شرها.
Übersiedlung Wien
8 مايو 2012 في 12:13 م
فين الموضوعات الجديدة .. ؟؟